الكي (1). قال: فابتلينا فاكتوينا، فما أفلحنا، ولا أنجحنا (؟) "، وفي لفظ " نهينا عن الكي " وقال: " فما أفلحنا ولا أبحعنا (2) ".
قال الخطابي: " إنما كوى سعدا ليرقأ الدم من جرحه، وخاف عليه أن ينزف فيهلك. والكي مستعمل في هذا الباب: كما يكوى من تقطع يده أو رجله. وأما النهى عن الكي، فهو: أن يكتوى طلبا للشفاء. وكانوا يعتقدون: أنه متى لم يكتو هلك، فنهاهم عنه: لأجل هذه النية. وقيل: إنما نهى عنه عمران بن حصين خاصة، لأنه كان به ناصور وكان موضعه خطرا، فنهى عن كيه. فيشبه أن يكون النهى متصرفا (3) إلى الموضع المخوف منه. والله تعالى أعلم. وقال ابن قتيبة: الكي جنسان: كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: " لم يتوكل من اكتوى "، لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه. والثاني: كي الجرح إذا نغل، والعضو إذا قطع. ففي هذا الشفاء.
وأما إذا كان الكي للتداوي: الذي يجوز أن ينجح، ويجوز أن لا ينجح، فإنه إلى الكراهة أقرب ". انتهى.
وثبت في الصحيح - من حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب:
" أنهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " (4).
فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع: (أحدها): فعله. (والثاني): عدم محبته له. (والثالث): الثناء على من تركه. (والرابع): النهى عنه.
ولا تعارض بينها - بحمد الله تعالى -: فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه. وأما الثناء على تاركه: فيدل على أن تركه أولى وأفضل. وأما النهى عنه: فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفا من حدوث الداء. والله أعلم.