قيل: قد أجاب الامام (1) أحمد بن حنبل عن هذا، وقال: " قد شهد به غير أنس - رضي الله عنه - على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه خضب. وليس من شهد، بمنزلة من لم يشهد ". فأحمد أثبت خضاب النبي صلى الله عليه وسلم - ومعه جماعة من المحدثين - ومالك أنكره.
فإن قيل: قد ثبت في صحيح مسلم النهى عن الخضاب بالسواد، في شأن أبى قحافة، لما أتى به: ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال: غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد ". والكتم يسود الشعر.
فالجواب من وجهين: (أحدهما): أن النهى عن التسويد البحت، فأما إذا أضيف إلى الحناء شئ آخر - كالكتم ونحوه - فلا بأس به. فإن الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود، بخلاف الوسمة: فإنها تجعله أسود فاحما. وهذا أصح الجوابين.
(الجواب الثاني): أن الخضاب بالسواد المنهى عنه خضاب التدليس: كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة: تغر الزوج والسيد بذلك. وخضاب الشيخ يغر (؟) المرأة بذلك.
فإنه من الغش والخداع. فأما إذا لم يتضمن تدليسا ولا خداعا، فقد صح عن الحسن والحسين رضي الله عنهما: أنهما كانا يخضبان بالسواد. ذكر ذلك ابن جرير عنهما، في كتاب تهذيب الآثار. وذكره عن عثمان بن عفان، و عبد الله بن جعفر، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة ابن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين.
وحكاه عن جماعة من التابعين، منهم: عمرو بن عثمان، وعلي بن عبد الله بن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، و عبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهري، وأيوب، وإسماعيل بن معد يكرب رضي الله عنهم أجمعين. وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار، ويزيد، وابن جريج، وأبى يوسف، وأبى إسحق، وابن أبي ليلى، وزياد بن علاقة، وغيلان بن جامع، ونافع بن جبير، وعمرو بن علي المقدمي، والقاسم بن سلام رضي الله عنهم أجمعين.