وهو أشدهما حرا، والأبيض ألينهما. ومنافعهما كثيرة جدا.
وهما حاران يابسان في الثالثة: ينشفان البلغم، قاطعان للزكام. وإذا شربا: نفعا من ضعف الكبد والمعدة، ومن بردهما، ومن حمى الدور والربع، وقطعا وجع الجنب، ونفعا من السموم. وإذا طلى به الوجه معجونا بالماء والعسل: قلع الكلف. وقال جالينوس:
" ينفع من الكزاز ووجع الجنبين، ويقتل حب القرع ".
وقد خفى على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب، فأنكروه. ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس، نزله منزلة النص. كيف: وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين، على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب؟!. ذكره الخطابي عن محمد ابن الجهم.
وقد تقدم (1): أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء، أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء، وأن بين ما يلقى بالوحي وبين ما يلقى بالتجربة والقياس - من الفرق - أعظم مما بين الفدم والقرم (2).
ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصا عن بعض اليهود والنصارى والمشركين - من الأطباء -: لتلقوه بالقبول والتسليم، ولم يتوقفوا عن (3) تجربته.
نعم: نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرا في الانتفاع بالدواء وعدمه، فمن اعتاد دواء وغذاء:
كان أنفع له وأوفق ممن لم يعتده، بل ربما (لم) ينتفع به من لم يعتده.
وكلام فضلاء الأطباء - وإن كان مطلقا - فهو بحسب الأمزجة والأزمنة، والأماكن والعوائد. وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق؟! ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم، إلا من أمده (4) الله بروح الايمان، ونور بصيرته بنور الهدى.