الامر كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الامر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين. وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأن العافية (1) المطلقة التامة، والنعمة الكاملة، منوطة بها، موقوفة على التحقق بها. - أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه.
وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى، وعقل آخر، وإيمان آخر. وتالله:
لا تجد مقالة فاسدة، ولا بدعة باطلة، إلا وفاتحة الكتاب متضمنة لردها وإبطالها، بأقرب طريق (2) وأصحها وأوضحها. ولا تجد بابا من أبواب المعارف الإلهية وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها، إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحه، وموضع الدلالة عليه. ولا منزلا من منازل السائرين إلى رب العالمين، إلا وبدايته ونهايته فيها.
ولعمر الله: إن شأنها لأعظم من ذلك، وهى فوق ذلك. وما تحقق عبد بها، واعتصم بها، وعقل عمن تكلم بها، وأنزلها شفاء تاما، وعصمة بالغة، ونورا مبينا: وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغي - ووقع في بدعة (3) ولا شرك، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا إلماما غير مستقر.
هذا. وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة. ولكن:
ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح. ولو أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحققوا بمعانيها، وركبوا لهذا المفتاح أسنانا، وأحسنوا الفتح به -: لو صلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق، ولا ممانع.
ولم نقل هذا مجازفة، ولا استعارة، بل حقيقة. ولكن: لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين، كماله حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم.