النساء حرائرهن وإمائهن عند الحاجة - بقوله: (يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الانسان ضعيفا). فذكر تخفيفه سبحانه (1) في هذا الموضع، وإخباره عن ضعف الانسان - يدل على ضعفه عن احتمال هذه الشهوة، وأنه سبحانه خفف عنه أمرها بما أباحه له: من أطايب النساء مثنى وثلاث ورباع، وأباح له ما شاء: مما ملكت يمينه، ثم أباح له أن يتزوج بالإماء - إن احتاج إلى ذلك -: علاجا لهذه الشهوة، وتخفيفا عن هذا الخلق الضعيف.
ورحمة به.
(فصل) وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصال معشوقه قدرا أو شرعا، أو هو ممتنع عليه من الجهتين - وهو الداء العضال - فمن علاجه: إشعار نفسه اليأس منه. فإن النفس متى يئست من الشئ: استراحت منه، ولم نلتفت إليه.
فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس، فقد انحرف الطبع انحرافا شديدا: فينتقل إلى علاج آخر، وهو علاج عقله: بأن يعلم بأن تعلق القلب بمالا مطمع في حصوله نوع من الجنون، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس: وروحه متعلقة بالصعود إليها، والدوران معها في فلكها.
وهذا معدود - عند جميع العقلاء - في زمرة المجانين.
وإن كان الوصال متعذرا شرعا لا قدرا، فعلاجه: بأن ينزله منزلة المتعذر قدرا. إذ ما لم يأذن الله فيه، فعلاج العبد ونجاته موقوف على اجتنابه. فليشعر نفسه: أنه معدوم ممتنع لا سبيل له إليه، وأنه بمنزلة سائر المحالات.
فإن لم تجبه النفس الامارة، فليتركه لاحد أمرين: إما خشية، وإما فوات محبوب هو أحب إليه، وأنفع له، وخير له منه، وأدوم لذة وسرورا. فإن العاقل متى وازن بين نيل محبوب سريع الزوال، بفوات محبوب أعظم منه وأدوم وأنفع وألذ، أو بالعكس -:
ظهر له التفاوت. فلا تبع لذة الأبد - التي هي لا خطر لها - بلذة ساعة تنقلب آلاما، وحقيقتها: أنها أحلام نائم، أو خيال لا ثبات له. فتذهب اللذة، وتبقى التبعة، وتزول الشهوة، وتبقى الشقوة.