في نفسه أن يتزوجها إن طلقها زيد، وكان يخشى من قالة الناس: إنه تزوج امرأة ابنه.
لان زيدا كان يدعى ابنه. فهذا هو الذي أخفاه في نفسه، وهذه هي الخشية من الناس التي وقعت له. ولهذا ذكر سبحانه هذه الآية: يعدد فيها نعمه عليه لا يعاتبه فيها، وأعلمه أنه لا ينبغي له أن يخشى الناس فيما أحل الله له، وأن الله أحق أن يخشاه. فلا يتحرج ما أحله له، لأجل قول الناس. ثم أخبره: أنه سبحانه زوجه إياها بعد قضاء زيد وطره منها، لتقتدى أمته (به) (1) في ذلك، ويتزوج الرجل بامرأة ابنه من التبني، لا امرأة ابنه لصلبه. ولهذا قال في آية التحريم: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم)، وقال في هذه السورة (2): (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم)، وقال في أولها: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم، ذلكم قولكم بأفواهكم). فتأمل هذا الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع (3) طعن الطاعنين عنه. وبالله التوفيق.
نعم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب نساءه، وكان أحبهن إليه عائشة رضي الله عنها. ولم تكن تبلغ محبته لها ولا لاحد - سوى ربه - نهاية الحب، بل صح عنه أنه قال: " لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا "، وفى لفظ: " وإن صاحبكم خليل الرحمن ".
(فصل) وعشق الصور إنما يبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى، المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه. فإذا امتلا القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه: دفع ذلك عنه مرض عشق الصور. ولهذا قال تعالى في حق يوسف: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلصين). فدل على أن الاخلاص سبب لدفع العشق، وما يترتب عليه: من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته. فصرف المسبب صرف لسببه.