(والثاني): أنه سبحانه عدل في هذه الأحكام غير ظالم لعبده، بل لا يخرج فيها عن موجب العدل والاحسان. فإن الظلم سببه: حاجة الظالم أو جهله أو سفهه، فيستحيل صدوره ممن هو بكل شئ عليم، ومن هو غنى عن كل شئ، وكل شئ فقير إليه، ومن هو أحكم الحاكمين. فلا تخرج ذرة من مقدوراته عن حكمته وحمده، كما لم يخرج عن قدرته ومشيئته.
فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته. ولهذا (1) قال نبي الله هود صلى الله على نبينا وعليه وسلم - وقد خوفه قومه بآلهتهم -: (2) (إني) أشهد الله واشهدوا: أنى برئ مما تشركون من دونه، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، إني توكلت على الله ربى وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربى على صراط مستقيم) أي:
مع كونه سبحانه آخذا بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء، فهو على صراط مستقيم: لا يتصرف فيهم إلا بالعدل والحكمة، والاحسان والرحمة. فقوله: " ماض في حكمك "، مطابق لقوله:
(ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها)، وقوله: " عدل في قضاؤك "، مطابق لقوله:
(إن ربى على صراط مستقيم).
ثم توسل إلى ربه بأسمائه التي سمى بها نفسه: ما علم العباد منها، وما لم يعلموا، ومنها:
ما استأثره في علم الغيب عنده: فلم يطلع عليه ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا. وهذه الوسيلة أعظم الوسائل، وأحبها إلى الله، وأقربها تحصيلا للمطلوب.
ثم سأله: أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان - وكذلك القرآن:
ربيع القلوب. - وأن يجعله شفاء همه وغمه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله. وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية وغيرها. فأحرى (3) بهذا العلاج - إذا صدق العليل في استعماله - أن يزيل عنه داءه، ويعقبه