قالوا: ونحن لا ننكر أن قوة الغذاء ومعظمه في الطعام، وإنما أنكرنا أن لا يكون للماء تغذية البتة. قالوا: وأيضا الطعام إنما يغذى بما فيه: من المائية، ولولاها لما حصلت به التغذية.
قالوا: ولأن الماء مادة حياة الحيوان والنبات، ولا ريب أن ما كان أقرب إلى مادة الشئ حصلت به التغذية، فكيف إذا كانت مادته الأصلية؟! قال الله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شئ حي (1)). فكيف ينكر (2) حصول التغذية بما هو مادة الحياة على الاطلاق؟!.
قالوا: وقد رأينا العطشان إذا حصل له الري بالماء البارد: تراجعت إليه قواه ونشاطه وحركته، وصبر عن الطعام، وانتفع بالقدر اليسير منه. ورأينا العطشان لا ينتفع بالقدر الكثير من الطعام، ولا يجد به (3) القوة والاغتذاء. ونحن لا ننكر أن الماء ينفذ الغذاء إلى أجزاء البدن، وإلى جميع الأعضاء، وأنه لا يتم أمر الغذاء إلا به. وإنما ننكر على من سلبه قوة التغذية عنه البتة، ويكاد قوله عندنا يدخل في إنكار الأمور الوجدانية.
وأنكرت طائفة أخرى حصول التغذية به. واحتجت بأمور: يرجع حاصلها إلى عدم الاكتفاء به، وأنه لا يقوم مقام الطعام، وأنه لا يزيد في نمو الأعضاء، ولا يخلف عليها بدل ما حللته الحرارة، ونحو ذلك مما لا ينكره أصحاب التغذية، فإنهم يجعلون تغذيته بحسب جوهره ولطافته ورقته، وتغذية كل شئ بحسبه. وقد شوهد الهواء الرطب البارد اللين اللذيذ: يغذى بحسبه. والرائحة الطيبة: تغذى نوعا من الغذاء. فتغذية الماء أظهر وأظهر.
والمقصود: أنه إذا كان باردا، وخالط ما يحليه -: كالعسل أو الزبيب أو التمر أو السكر. - كان من أنفع ما يدخل البدن، وحفظ عليه صحته. فلهذا كان أحب الشراب