غلق. ولم تمض سوى (15 - 20) دقيقة حتى عاد جرس الهاتف يدق، فرفعته فإذا هي الفتاة نفسها، فأظهرت لها استغرابي الشديد على إطباقها للسماعة، وعلى كيفية إعادتها وهي التي طلبت مني أرقام هاتفي، فقالت: يعلم الله أعدت الهاتف وأخذت الأرقام وأنا أقول: عسى أن أصيب أخذها، والحمد لله على تحقيق ذلك، غير أني أريد أن أعتب على أختك على ما خاطبتني بلومها القارس المؤلم، فماذا بدر مني من سوء الأدب؟!
فأجبتها: هو هذا الذي كنت أحذر منه عليك وعلي بالوقت نفسه.
ثم استأنفت الحديث قائلا: ماذا تأمرين بعد هذا؟ فقالت: مع شديد أسفي على فراقك بعد هذا أود أن تختم حديثنا هذا بأبيات أخرى من الشعر، وعندها أستودعك الله آسفة إلى الأبد كي أرحمك من مثل لوم هذه الأخت القاسية التي أشبعتني بالكلمات الغاضبة، فأظهرت أسفي وقلت لها: إليك الأبيات الخاتمة:
قلت إن جئتني وهبتك روحي * أو تطيلي الجفا فإني أموت بكلا الحالتين ذقت حمامي * يا خليلي فانظر بماذا بليت؟
فأبدت إعجابا بالغ الحد بأبيات الشعر المناسبة للحديث واستودعتني، وأنا أشد منها ولعا لمثل هذه المداعبات.
وحيث إن البون شاسع بين سني وسنها، وأحسب أنها التي قدرت سني حياتي بخمس وثلاثين سنة، ستفاجأ لو شاهدت شعري المائل للبياض، وتجاعيد الكهولة تحتل وجهي، ولابتعدت عني أكثر وأكثر، وكان ذلك أقسى شئ لنفسي، وكان ذلك مدعاة لنظم قصيدة مطولة وضعت عنوانها " بين شيخ وفتاة " وتغزلت ما شئت بالفتاة وأطريت محاسنها الجذابة غيابا هاتفيا وبالمراسلة حتى تشوقت كثيرا للقائها والتحدث معها من قريب.
وحين الاجتماع ألم بها الاستغراب والعتاب أقصاه وهي تقول: وأنت بهذا