صرف المؤمنين عنهم ليأمنوا الذم، فأمر جل شأنه بالإعراض عنهم لأنهم رجس ولا ينبغي لنزاهة الإيمان وطهارته، أن يتعرض لرجس النفاق والكذب، وقذارة الكفر والفسق. وأخبر تعالى، إنكم إن رضيتم عنهم، فقد رضيتم عمن لم يرض الله عنه. أي رضيتم بخلاف رضا الله، ولا ينبغي لمؤمن أن يرضى عما يسخط ربه.
فهؤلاء الذين لم يرض عنهم الله بنوا مسجدا لهدف، قال تعالى: * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد أنهم لكاذبون) * (1).
قال المفسرون: بين الله تعالى أهداف هذه الطائفة من المنافقين في اتخاذ هذا المسجد وهو:
* الإضرار بغيرهم * والكفر * والتفريق بين المؤمنين * والإرصاد لمن حارب الله ورسوله. والقصة التي اتفق عليها أهل النقل: إن رجلا يقال له أبو عامر الراهب كان يعيش بالمدينة. وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة فارا إلى كفار مكة، يمالئهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك بعد غزوة بدر، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا يوم أحد. وقام أبو عامر بحفر حفر بين الصفين، وقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأصيب ذلك اليوم. فجرح وجهه الشريف. وشج رأسه صلى الله عليه وسلم. ولما فرغ الناس من أحد، ولم ينل المجرمون من النبي ودعوته شيئا، ذهب أبو عامر إلى هرقل ملك الروم، يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم. فوعده ومناه، فكتب إلى جماعة من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم إنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله ويغلبه ويرده عما هو فيه. وأمرهم أن يبنوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده، ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك. فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى