المعارضة في العراق قد بلغت الذروة؟ والباحث يمكن أن يرى بسهولة أن الاغراء قد تمكن من نفس معاوية، وذلك من خلال أقواله وأفعاله بعد أن أخبره كعب الأحبار بأن الأمر إليه بعد عثمان، فقبل أن يتوجه معاوية إلى الشام، خرج من عند عثمان وعليه ثياب السفر متقلدا سيفه متنكبا قوسه، فإذا هن بنفر من المهاجرين فيهم طلحة والزبير وعلي، وهم الذين جاء ذكرهم في رجز الحادي بخصوص الخلافة بعد عثمان، فقام معاوية عليهم فتوكأ على قوسه بعدما سلم عليهم ثم قال: إنكم قد علمتم أن هذا الأمر كان إذا الناس يتغالبون إلى رجال، فلم يكن منكم أحد إلا وفي فصيلته من يرأسه ويستبد عليه ويقطع الأمر دونه ولا يشهده ولا يؤامره، حتى بعث الله نبيه، فكانوا يرأسون من جاء من بعده وأمرهم شورى بينهم يتفاضلون بالسابقة والقدمة والاجتهاد. فإن أخذوا بذلك وقاموا عليه كان الأمر أمرهم والناس تبع لهم، وإن أصغوا إلى الدنيا وطلبوها بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى ما كان يرأسهم، وإلا فليحذروا الغير فإن الله على البدل قادر وله المشيئة في ملكه وأمره، إني خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه حالا ". ثم ودعهم فقال علي: ما كنت أرى في هذا خيرا (1).
أهم أعمدة هذا الخطاب أراد معاوية أن يذكرهم بأنه قبل الإسلام كانت القيادة في قريش إلى رجال (2)، وأنهم كانوا يرجعون أمورهم إلى هؤلاء الرجال الذين كانوا يستبدون عليهم ويقطعون الأمور، دون أن يشاوروا غيرهم. وعندما جاء الإسلام جعل الأمر شورى والتفاضل بالسابقة والاجتهاد، فإن أخذوا بذلك كان الأمر لهم والناس تبع لهم، وأن أبوا خلاف ذلك رد الله القيادة إلى من كان يرأسهم قبل الإسلام. ثم حذرهم الغير هذا، لأن الله على البدل قادر، فالبدل إذا جاء جاء بأمر الله، فسبحانه له المشيئة في ملكه وأمره. ولم ينس معاوية أن يضع بينه وبينهم شيخا، ثم أوصاهم به، لأن هذا الشيخ ربما يكون طريقا إلى البدل إذا حدث له أي مكروه.