أنت الأمير بعده، ولكنها لا تصل إليك حتى تكذب بحديثي هذا، فوقعت في نفس معاوية. وفي رواية: ما زال معاوية يطمع فيها بعد مقدمة على عثمان حين جمعهم ثم ارتحل فحدا به الراجز:
أيها الأمير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي (1) ماذا يستفاد من ذلك؟ لقد قال كعب لعمر من قبل أن أوصافه مذكورة في التوراة، فهل أخبر معاوية بأن له أوصاف ظاهرة في كتب الأولين؟ وأن أهم هذه الأوصاف أنه سيلي أمر هذه الأمة، ولن يلي هذا الأمر حتى يكذب بهذا الخبر، نظرا لتواضعه وحياؤه وملكات نفسه التي شبعت من غذاء الروح، فهي لا تجوع أبدا ولا تطلب شبعا من قيادة أو غيرها! وهل أراد كعب أن يخرج معاوية بأقصى سرعة من دائرة التكذيب بحديثه إلى دائرة الاصرار إلى نيل الخلافة؟ لقد قال معاوية للوفد الذي سبره عثمان إليه حين طالبوه باعتزال السلطة: والله إن لي في الإسلام قدما، ولغيري كان أحسن قدما مني، ولكنه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني (2). أليس في هذا ما أراد كعب؟ ففي فترة ما كان معاوية أن يعتقد أن هناك من أحسن منه، وهذا الاعتقاد جعله لا يسرع في الأمر لأنه لو أسرع لكذبته نفسه في بلوغ الهدف، ثم جاءت مرحلة الاصرار حيث ليس في زمامه أحد أقوى على ما هو فيه منه.
ثم يحق للباحث أن يتساءل، لقد كان كعب الأحبار قريبا من عمر. وروي أن عمر قال لأصحاب الشورى: إن اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام (3). فهل كان في هذا إغراء لمعاوية بالخلافة يكون مدخلا لما قاله كعب بعد ذلك؟ ثم لقد روي أن عمر قال: " يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق " (4) فهل في هذا إغراء آخر ازداد بريقه في عهد عثمان حيث كانت