فيروي ابن عساكر أن عمر بن الخطاب قال لابن عباس: أرى القرآن قد ظهر في الناس. فقال له: ما أحب ذاك يا أمير المؤمنين قال عمر: لم؟ فقال: لأنهم متى يقرأوا ينقروا ومتى ينقروا يختلفوا ومتى يختلفوا يضرب بعضهم رقاب بعض.
قال عمر: إن كنت لأكتمها الناس (1)، ثم روى أن أبا موسى قد بعث إليه بأن عدد القراء قد ازداد، فقال عمر: إن بني إسرائيل إنما هلكت حين كثر قراؤهم " (2). وهكذا فطن الفاروق للنهاية التي ما بعدها نهاية. لقد أراد أن تنتج الساحة قراء وأمراء من أصحاب السواعد القوية، ولكن في هذا إشكال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أكثر منافقي أمتي قراؤها " (3)، وقال:
" بكتاب الله يضلون وأول ذلك من قبل قرائهم وأمرائهم " (4). إن القراءة فقط هي بذرة الخوارج التي عليها نبتت شجرتهم. والذي يستحق التسجيل هنا أن الفاروق أطلق صيحة مبكرة عندما علم أن أهل العراق قد نقروا واختلفوا. لقد قال: " يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم " (5)، ونحن لا ندري لماذا اختار الفاروق أهل الشام في هذا الوقت المبكر ليتجهزوا لأهل العراق. إننا لا نعلم الأسباب التي وراء هذا القرار لأنه غابت عنا أحداث لا يعلمها إلا من لابسها.
إن البصرة بداية ضربها الذم من قبل أن يمصرها الناس، وذلك لما لها من أثر بالغ على اللغة والدين بعد أن اختلطت بها الشعوب وتجول على أرضها أمراء السوء، ولهذا لا نعجب عندما نستمع إلى حذيفة وهو يقول للفاروق:
" إنك تستعين بالرجل الفاجر " (6). ولا نعجب عندما نسمع من يقول لعمر:
الله يا عمر تستعمل من يخون وتقول ليس عليك شئ وعاملك يفعل كذا