عمر إلى محاسبة البعض جعلت البعض الآخر يعيش يومه. وموقف عمر هذا وإن كان فيه خدمة للدولة إلا أنه لم يكن في صالح عمر، فلقد أبغضه بعض الصحابة وملوه رغم كثرة الفتوح لأنه لم يسمح لهم بالخروج إلى الأمصار. يقول الشعبي: لم يمت عمر حتى ملته قريش وقد حصرهم بالمدينة، وقال: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد. فلما ولي عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد وانقطع الناس إليهم فكان ذلك أول وهن دخل على الإسلام وأول فتنة كانت في العامة ليس إلا ذلك (1).
فالذي حافظ على التماسك من ضربات الأعداء، أموال الفتوحات وقبضة عمر - الذي كان عصره بحق أفضل بكثير من عصور الملوك والسلاطين الذين ركبوا على أعناق الأمة على امتداد التاريخ. وإذا كان تاريخ المسلمين ملئ بالسلبيات والغيوم، فإن الحق يحتم علينا أن نقول بأن أعظم دولة للمسلمين هي التي كان على رأسها أبو بكر وعمر بن الخطاب، فهذا العصر كان عصر البذور والبذور لا يختلف أحد على أوراقها وثمارها لأنها لم تأت بعد: وهذه الفترة من التاريخ انتهت نهاية أليمة، وذلك عندما طعن غلام مجوسي الفاروق عمر رضي الله عنه. وروي أنه كان يفسر لعمر أحلامه. وقد أخبره عمر بحلم من الأحلام ففسره كعب بأنه سيقتل بسلاح له مواصفات خاصة، وعندما طعن عمر جاء كعب يبكي ويقول: والله لو أن أمير المؤمنين أقسم على الله أن يؤخره لأخره (2)، ومن الأعجب أن كعبا اشتغل بعد ذلك مستشارا لمعاوية يوم أن كان أميرا على الشام، وعندما حدثت الانتفاضة على عثمان كان كعب أول من ألقى في قلب معاوية حب الخلافة! وعلى أي حال بعد عملية طعن الفاروق وهذا الاسم أطلقه عليه أهل الكتاب تعبيرا منهم لعدله ونظرا لأنهم لم يشعروا بغربة في عهده، وأظلتهم مظلة التسامح الإسلامية في كل مكان على أرض الدولة. حتى