كل قطرة دم، ومعارك الإسلام في المقام الأول هي معارك لله وفي الله وبالله. قال تعالى: (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * وهو الذي أخرج الذين كفوا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) (1). فبقوة الله وسلطانه أجرى سبحانه ما أراده بأيدي أعدائه، حيث خربوا بيوتهم بأيدهم من الرعب وأيدي المؤمنين الذين أمرهم بذلك ووفقهم لامتثال أمره وإنفاذ إرادته. وكما حدد الله تعالى موضع كل قطرة دم في معارك الإسلام حدد سبحانه موضع كل مال من غنائم الحرب. فقال تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) (2)، وقال:
(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (3)، فالله تعالى في الآية الأولى بين موضع الخمس ويفهم من الآية أن أربعة أخماسها للغانمين (4). وفي الآية الثانية أفاء سبحانه الفئ وأرجعه إلى النبي صلى الله عليه وآله ودله على موارد صرفها التي يتصرف فيها كيف يشاء. وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم فئ بني النضير على المهاجرين وأعطى بعض الأنصار.
وعلى امتداد العهد النبوي كانت الدعوة تستعمل أدوات الفطرة وهي تشق طريقها إلى الفطرة، ومن الثابت أن الحكم الإسلامي عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يشمل إلا شبه الجزيرة العربية، وكانت الدعوة حريصة على إزالة العقبات التي تهدد الفطرة في هذه المنطقة بعد أن رفض رؤوس الكفر