أن الله خلى عنا وعنهم وقضى فيهم وفينا بما أحب. ولنحن الذين أفسدنا على أنفسنا أحرزناهم عن كل مكروه وقدمناهم إلى كل محبوب حتى آمنوا المخوف فلما جاز لهم ذلك صغروا حقنا ولم يراعوا ما أعظمنا من حقوقهم... فقال له الفضل بن العباس بن عبد المطلب: يا عمرو إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك. وليس لنا أن نجيبك وأبو الحسن شاهد بالمدينة إلا أن يأمرنا فنفعل. ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه فغضب وشتم عمرا وقال: آذى الله ورسوله. ثم قام فأتى المسجد فاجتمع إليه كثير من قريش وتكلم مغضبا فقال: يا معشر قريش إن حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق. وقد قضوا ما عليهم وبقي ما عليكم (!)، واذكروا أن الله تعالى رغب لنبيكم عن مكة فنقله إلى المدينة. وكره له قريشا فنقله إلى الأنصار. ثم قدمنا عليهم دارهم فقاسمونا الأموال وكفونا العمل فصرنا منهم بين بذل الغنى وإيثار الفقير ثم حاربنا الناس فوقونا بأنفسهم وقد أنزل الله تعالى فيهم آية من القرآن جمع لهم فيها بين خمس نعم فقال: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (1)، ألا وإن عمرو بن العاص قد قام مقاما (آذى فيه الميت والحي. ساء به الواتر وسر به الموتور فاستحق من المستمع الجواب ومن الغائب المقت. وأنه من أحب الله ورسوله أحب الأنصار. فليكفف عمرو عنا نفسه. قال الزبير بن بكار: فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص فقالوا: أيها الرجل أما إذا غضبت علي فأكفف وقال علي للفضل: يا فضل أنصر الأنصار بلسانك ويدك فإنهم منك وإنك منهم. فقال الفضل:
قلت يا عمرو مقالا فاحشا * إن تعد يا عمرو والله فلك إنما الأنصار سيف قاطع * من تصبه ظبة السيف هلك وسيوف قاطع مضربها * وسهام الله في يوم الحلك نصروا الدين وآووا أهله * منزل رحب ورزق مشترك