ذلك الكلام وكان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم وهم: سهل بن عمرو والحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل. وهؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبي ثم دخلوا في الإسلام وكلهم موتور قد وتره الأنصار. فلما اعتزلت الأنصار. تجمع هؤلاء. فقام سهيل بن عمرو فقال: يا معشر قريش إن هؤلاء القوم قد سماهم الله الأنصار. وأثنى عليهم القرآن فلهم بذلك حظ عظيم وشأن غالب. وقد دعوا إلى أنفسهم وإلى علي بن أبي طالب. وعلي في بيته لو شاء لردهم! فادعوه إلى صاحبكم وإلى تجديد بيعته فإن أجابوكم وإلا فاقتلوهم.
فوالله أني لأرجو الله أن ينصركم عليهم كما نصرتم بهم.
وقال الحارث: فإنه قد لهجوا بأمر إن ثبتوا عليه. فإنهم قد خرجوا مما وسموا به وليس بيننا وبينهم معاتبة إلا السيف... وقال عكرمة: إن الذي هم فيه من فلتات الأمور ونزغات الشيطان. وما لا يبلغه المنى ولا يحمله الأمل اعذروا إلى القوم فإن أبوا فقاتلوهم.
الملاحظ أن مقدمة القوم هنا هو سهل بن عمرو. وهو بالذات يحفظ في ذاكرته قول النبي يوم الحديبية والذي أنذرهم فيه بمعركة يدخرها الغيب لهم عقوبة على ما في قلوبهم، ففي الحديث الصحيح عن ربعي عن علي قال: لما كان يوم الحديبية خرج ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو - إلى أن قال - فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهين أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين قد امتحن الله قلبه على الإيمان. قالوا: من هو يا رسول الله؟ وقال أبو بكر: من هو يا رسول الله. وقال عمر: من هو يا رسول الله قال: هو خاصف النعل - وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها.
لهذا لا يستغرب خوف سهيل بن هتاف الأنصار بعلي. وقوله: " وعلي في بيته لو شاء لردهم " يبين مدى جزعه. ولا يستغرب منه أن يطالب بتحديد دعوة الأنصار لأبي بكر فإن أجابوا فهو الأمان. وإلا فقتلهم أولى. وعلى ضوء هذا كله يمكن أن نفهم لماذا لم يخرج علي بن أبي طالب بأي وسيلة مطالبا بالأمر.
فالسكوت كان لقلة الأتباع وظهور سهيل بن عمرو وطابوره. وهم الذين أخرجوا