عن مسيئهم " (1)، فمن هذا الشعر وهذا الهتاف الذي رواه الزبير بن بكار الإمام الثقة. يمكن القول أن الأنصار علموا بعد وفاة الرسول أن صفحة جديدة ستفتح لهم. قال لهم النبي: " إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني وموعدكم الحوض " (2)، وكما علمنا من قبل أن الكتاب والعترة لا يفترقان حتى يردا على الحوض وإن عليا سيدفع المنافقين عنه. ولما كان الأنصار قد اشتركوا مع علي في أرضية واحدة حيث " لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق " فإن دعوة الرسول لهم أن يصبروا حتى يلقوه وموعدهم الحوض. تعني أنه يحثهم على التمسك بالأرضية التي وقفوا مع علي بن أبي طالب ولا يفارقوه. لأن هذه الأرضية بمثابة المقدمة لنتيجة ستظهر آثارها يوم القيامة.
لقد علم الأنصار أن هناك تحولات ستحدث. وأن أي مواجهة عسكرية ستكون خسارة فادحة للفائز فيها فضلا على أنها ستحدث في الإسلام فجوات الله وحده أعلم بها. لهذا فضل أغلب الأنصار الاعتزال وعلى رأسهم أبي بن كعب.
أما سعد بن عبادة ومن معه فقد حسبوها بطريقة أخرى. لقد أرادوا أن يواجهوا الأثرة التي ستحدث لهم بعد وفاة الرسول بالاحتماء في السلطة وذلك بمزاحمة المهاجرين فيها. لعلمهم أن المهاجرين يطالبون بما ليس لهم. بمعنى أن المهاجرين زاحموا على شئ هم ليسوا من أهله فلا مانع أن يزاحمهم الأنصار.
وأي اتفاق مهما كان حجمه فسيدخل الأنصار به دائرة الأمان حتى يحدث الله بعد عسر يسرا. ولذا نجدهم في أول الأمر طالبوا بالقيادة لسعد بن عبادة. ثم تشاوروا فيما بينهم ونزلوا درجة وقالوا منا أمير ومنكم أمير. واعتقد أنه لو تأخر النعمان بن بشير وأسيد بن حضير عن المبايعة برهة من الزمن لتوصل الأنصار إلى الحصول على موطئ قدم يحقق لهم الحماية ويدخلهم في عملية التوازنات التي تشارك فيه أطراف عديدة.
والذي يؤيد ما ذهبنا إليه من أن حركة سعد بن عبادة كان هدفها حقن دماء