واتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة واعلم أن الله شديد العقاب) (1)، قال المفسرون: لقد أحس سبحانه بالاستجابة لما يحيي الإنسان بإخراجه من مهبط الفناء والبوار. وأخبر أنه سبحانه المالك لكل القلوب. وهو أقرب إلى الناس من كل شئ. حتى يعلم المنافقين أنه أعلم بما في قلوبهم منهم فيرتدعوا. وأحاط الجميع علما بأنهم إليه سيحشرون يوم القيامة، ويومئذ تظهر حقيقة ملكه لهم وسلطانه عليهم. ويومئذ له يغني عنهم منه شئ. ثم حذرهم من فتنة. تختص بجماعة منهم. لكن السئ من أثرها يعم الجميع. وقد أبهم الله تعالى أمر هذه الفتنة. ولم يعرفها بكمال اسمها ورسمها. غير أن قوله تعالى فيما بعد: (لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة)، وقوله: (واعلموا إن الله شديد العقاب)، يوضحها بعض الإيضاح. وهو إنها اختلاف البعض من الأمة مع بعض منها في أمر يعلم جميعهم وجه الحق فيه. فيجمع البعض عن قبول الحق. ويشق طريقه بالظلم وهذا الظلم هو الذي أمر سبحانه باتقائه. لأنه يرى سوء أثره إلى كافة المؤمنين وعامة الأمة. وقد تفطن بعض المفسرين بأن الآية تحذر الأمة وتهددهم بفتنة تشمل عامتهم وتفرق جمعهم وتشتت شملهم.
وهذه الفتنة حدثت أيام الصحابة وليس في أيام غيرهم. هم وحدهم المسؤولون عنها. فعن الزبير بن العوام قال: لقد خوفنا الله بقوله: (واتقوا فتنة...) الآية نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وما ظننا أنا خصصنا بها خاصة (2) وعنه أيضا قال: لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها (3)، وقال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا (4)، ويوم الجمل ما جاء فجأة. ولكن كانت له مقدمات. وإتقاء هذه الفتنة يكون بالبحث عن المقدمات الحقيقية اليقينية لاستنتاج معلومات تصديقية واقعية. فإذا تشابهت الأمور اعتبر آخرها أولها