وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخروج الجيش. فلما أصبح يوم التاسع والعشرين من صفر ووجدهم متثاقلين خرج إليهم فحضهم على السير وعقد اللواء لأسامة بيده تحريكا لحميتهم، ثم قال: أغز باسم الله وفي سبيل الله وقاتل من كفر بالله (1)، فخرج أسامة بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف ثم تثاقلوا هناك وطعن قوم منهم في تأمير أسامة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك يوم السبت قبل وفاته بيومين. وبعد أن قالوا: " هجر " بيومين. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس.
ما مقالة بلغني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبل (2)، وحضهم على المبادرة إلى السير، وروى الشهرستاني أن النبي قال: " جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه... (3) فلحق الذين تثاقلوا من قبل بالجيش. ثم نقل إليهم أن النبي قد ثقل عليه المرض فبدءوا في التثاقل وعندما نقل إليهم خبر الوفاة رجعوا إلى المدينة التي كانت ترجف بأهلها.
إن حروب النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن لدنيا وإنما لدين. وكان للدين فيها أقوى تعلق لما يعود على الإسلام وأهله بعلو كلمة. وحروب النبي صلى الله عليه وسلم كانت بأمر من الله عز وجل. وكان الملائكة يشاركون في معظمها لتثبيت الذين آمنوا ونصرة الفطرة. وتخاذل الناس في الحروب حدث على امتداد الرسالات السماوية في أقوام الأنبياء الذين أمروا بالقتال مع رسلهم.
ولقد حدث تخاذل من البعض في المعارك التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم. حدث هذا يوم أحد ويوم حنين ويوم تبوك. أما التخاذل عن بعث أسامة فقد حمل ملامح إضافية وهي أنهم طعنوا في تأمير أسامة عليهم. وهذا