أن رسول الله سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت " (1)، إن من أعجب الأشياء أن يقول الفاروق رضي الله عنه ذلك. كيف، وهو القائل يوم الخميس: حسبنا كتاب الله! والله تعالى يقول لرسوله: (إنك ميت وإنهم ميتون) (2)، والرسول نفسه أعلن على الملأ أنه أوشك أن يدعى فيجيب والناس علموا وتناقلوا فيما بينهم أن آخر حج للنبي كان حجة الوداع، روى البخاري عن ابن عمر قال: هذا يوم الحج الأكبر فطفق النبي صلى الله عليه وآله يقول اللهم أشهد وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع (3).
إن ما نسب إلى الفاروق في تأويل هذه الآيات لا تستريح النفس إليه، فعمر كان أجل قدرا من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة. لكنه لما علم بالوفاة خاف من وقوع فتنة في الإمامة وخاف حدوث ردة. فاقتضت المصلحة تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون أن النبي لم يمت. حتى يأتي أبو بكر وكبار الصحابة ويقرروا ماذا سيفعلون لمصلحة الأمة... وجاء أبو بكر وكان بالسنح وكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما علم بالحقيقة قال لعمر الذي كان يحلف بالله أن النبي لم يمت: أيها الحالف على رسلك (4)، ثم أعلن البيان الثاني وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: (وإنك ميت وإنهم ميتون)، وقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (5)، وروى ابن سعد بن عمر عندما سمع الآية قال لأبي بكر: " هذا في كتاب الله؟! قال: نعم، فقال: أيها الناس هذا أبو