الصحيفة. كما أمر من قبل يقتل ذو الثدية وهو يعلم أن هذا المارق لن يقتله الشيخان أبو بكر وعمر. وإن له يوما في بطن الغيب وأخبر النبي بهذا اليوم.
وأمر بقتل ابن أبي السرح وهو يعلم أن أحدا لن يقتله وأن عثمان بن عفان سيخفيه في داره وهي نفس الدار التي حاصرها الذين ظلمهم بن أبي السرح.
ونفى الحكم بن أبي العاص، وعندما طلب بعض الصحابة أن يقتلوه، رفض وأخبرهم أن في صلبه ذرية الويل لأمته منهم واكتفى بنفيه حتى أعاده عثمان في عهده.
إن الأحداث تجري بمشيئة الله. وما فعل النبي أمرا إلا بإذن من الله. وكل حدث يجري كان من ورائه هدف ومن وراء الهدف حكمة. وعالم الفتن عالم عميق. وأعظم الفتن هي التي تأتي من مكان يستبعد الناس أن تأتي منه الفتن.
وما فعله النبي من طرد الحكم وأمره بقتل ذي الثدية وغير ذلك يكون اختبارا لمن عاصر الحدث وتحذيرا لهم ولمن بعدهم. وعليه تأتي أحداث يترتب عليها امتحان. وهذا من حكمة الوجود. ألم تر أن الله تعالى قبل أن يخلق آدم أخبر سبحانه ملائكته أن آدم مخلوق ليمارس واجب الخلافة في الأرض. ولكن آدم لم يهبطه الله إلى الأرض عقب خلقه مباشرة. وإنما كان بين الخلق وبين الهبوط أوامر ونواهي وأحداث ترتب عليها أن آدم هبط إلى الأرض باختياره وليس قهرا.
والرسول حذر وأمر ونهى وفي علم الله أن الهبوط والاختلاف والافتراق واقع لا محالة. لأنه سبحانه العليم المطلق بطبائع الناس. والله لا يظلم مثقال ذرة. وما من طريق إلا ودل على موطن الهداية فيه. وما ترك الشيطان طريقا للهداية إلا دق عليه أوتادا. ألم تر أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت الحرام وبعد فترة من الزمان أوحى الشيطان إلى أتباعه بزرع الأصنام حول الكعبة. فأصبح الناظر في المكان يرى هذا وذاك فأصحاب الفطرة السوية يعرفون طريق الصواب وأصحاب النفوس المريضة يعكفون على كل صنم.
إن النبي الأعظم أمر أن يأتوه بصحيفة ليكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده.
وكان هذا لهدف من ورائه حكمة. وكان أيضا مادة يختبر بها من عاصر الحادثة وشعاعا يهدي إلى الحق لكل باحث عن الحقيقة، وكم كنا نتمنى أن تكتب هذه