محمد رسول الله. فما هو هذا الحكم الذي وأكبه تهديد من الله تعالى إذا لم يبلغ؟ قال المفسرون: لم يصرح القرآن باسم هذا الشئ الذي أنزل على النبي من ربه. وعبر عنه بالعنت وإنه شئ أنزل إليه. إشعارا بتعظيمه ودلالة على أنه أمر ليس فيه لرسول الله صنع ولا له من أمره شئ. ليكون هذا البرهان على عدم اختيار من النبي في كتمانه وتأخير تبليغه. ويكون له عذر في إظهاره على الناس.
وتلويحا إلى أنه مصيب في ما تفرس منهم وتخوف عليه. وإيحاء إلى أنه مما يحب أن يظهر من ناحيته صلى الله عليه وآله وبلسانه وبيانه.
هذا عن الحكم. أما قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) (1)، قال المفسرون: أخذ لفظ الناس. اعتبارا بسواد الأفراد. الذي فيه المؤمن والمنافق والذي في قلبه مرض. وقد اختلطوا من دون تمايز، فإذا خيف خيف من عامتهم. والعصمة في الآية. بمعنى الحفظ والوقاية من شر الناس المتوجهة إلى النبي أو مقاصده الدينية أو نجاح تبليغه.
والذي يجب أن تذكر به إن طريق تبوك في العام التاسع الهجري. أنتج جماعة من اثني عشر رجلا، أخبر الحديث الصحيح أنهم لن يدخلوا الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وإنهم حرب على الله وعلى رسوله في الحياة الدنيا (1)، وأن الطريق من حجة الوداع إلى المدينة وزمنه ومكانه ضمن الحياة الدنيا...
وآية سورة المائدة التي نحن بصددها. ذهب في أسباب نزلها إلى كل مذهب. فهناك من قال إنها مكية. وهذا القول لا يلتفت إليه. لأن الآية بتمامها لا تنطبق على الأحداث التي ذكروها. فلم يكن من شأن اليهود ولا النصارى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. أن يتوجه إليه من ناحيتهم خطر يجعله يمسك عن التبليغ أو يؤخره إلى حين. ولم يكن من شأن كفار قريش ومشركي مكة أن يفعل النبي ذلك أيضا. وهم أغلظ جانبا وأشد بطشا وأسفك للدماء