ليست لدينا القدرة على تمييز الصالح من الطالح. إنما القادر هو الله. والناظر في التاريخ والمتدبر في الأحداث بعد رحلة النبي صلى الله عليه وسلم يرى كم من دائرة إسلامية اجتمع فيها أهل الحل والعقد من المسلمين على ما اجتمعوا عليه. ثم سلكوا طريقا يهديهم إلى رأيهم. فلم يزيدوا إلا ضلالا. ولم يزد اسعادهم المسلمين إلا شقاء. ولم يمكث الاجتماع الديني بعد النبي صلى الله عليه وسلم. دون أن عاد إلى إمبراطورية ظالمة. إن التاريخ أمامنا والأحاديث التي تخبر بما في بطن التاريخ إذا انحرفت الأمة بين أيدينا. والقرآن شاهد على الحديث وعلى حركة التاريخ. فليبحث الناقد في الفتن الناشئة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما استتبعته من دماء مسفوكة.
وأعراض مهتوكة وأموال منهوبة. وأحكام عطلت. وحدود أبطلت. ثم ليبحث الناقد في منشئها وأصولها وأعراقها... وسيرى أن الأسباب العاملة فيها تنتهي إلى ما رآه أهل الحل والعقد من الأمة. ثم حملوا ما رأوه على أكتاف الناس.
وقد يقال: إذا كان الطالح له أثر فإن هذا لا يعني أن الصالح في أهل الحل، والعقد ليس له أثر. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الأمر في قوله تعالى: (وشاورهم في الأمر. فإذا عزمت فتوكل على الله) (1)، فنقول:
لقد كان في الصحابة عظماء أفذاذ قاتلوا وقتلوا في سبيل الله ومنهم من انتظر دوره ليفدي الدين بما عاهد الله عليه. ولكن من الذي كان يشاورهم؟ إنه الرسول الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى. ويخطئ من يظن أن مشاورته كانت عن قلة في علم ما. فمعاذ الله أن يكون هذا في من وضع الله على عاتقه تعليم البشرية.
لقد كانت المشاورة أحيانا فيما يتعلق بحركة الدعوة بين القبائل. وأحيانا لإرساء قاعدة التآلف بين القلوب. وفي الآية الكريمة. أشركهم الله بالنبي في المشاورة " وشاورهم في الأمر " ثم وحده في العزم " فإذا عزمت فتوكل على الله ". إن المشاورة حق فطري. والذي يسوق الناس إلى الصراط المستقيم أمر فطري.
ودائرة العزم لا يجلس فيها إلا من كان على علم بكتاب الله. وإلا فالطريق إلى