تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (1)، علمنا أن الكفار قد يأسوا في اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم فيه نعمته. فماذا كان يريد الكفار قبل أن يضربهم اليأس؟ لقد كان الدين هو المبغوض عند دوائر الصد من سبيل الله. فالشيطان منذ اليوم الأول وضع في برنامجه عرقلة الصراط المستقيم. وعلى امتداد التاريخ سارت جحافل الليل نحو هذه الغاية. فحاولوا في الرسالة الخاتمة هدم البنيان الرفيع من أسر بتفنين المؤمنين. وبث النفاق في جماعتهم وإلقاء الخرافات بينهم لإفساد دينهم. في بداية الأمر صدوا بالمال والجاه والجلد بالسياط والطرد من الأوطان. ثم طوروا الصد إلى محاولة قتل النبي. لقد كانوا يرون أنه ملك في صورة النبوة. وسلطنة في لباس الدعوة والرسالة. ولقد كان موته آخر ما يرجونه في زوال الدين وموت الدعوة. وذلك لأنه لا عقب له. ومن لا عقب له في قانونهم إذا مات أو قتل انقطع أثره ومات ذكره وذكر دينه. على ما هو المشهود عادة من حال السلاطين والجبابرة. فهؤلاء مما بلغ أمرهم. فإن ذكرهم يموت بموتهم وقوانينهم تدفن معهم في قبورهم. ولذلك كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دعوه، فإنه رجل أبتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) (2).
فإذا كانت ثقافة الكفر تنطلق من هذا المفهوم. فكيف يكون الحال إذا بلغهم قول النبي " علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي "، أو تحديد النبي لدائرة الطهر التي لا تفارق القرآن ولا يفارقها. ألا يكون اليأس لهم عنوانا على امتداد التاريخ الإنساني. وذلك لأن الصراط المستقيم أصبح له من يسوق الناس إليه بعد وفاة الرسول. ثم أليس إغلاق الباب في وجوههم إكمالا للدين وإتماما للنعمة وإقامة للحجة. لينظر الله كيف تعمل الأمة الخاتمة تحت قانون سنة الابتلاء الجارية. فقوله تعالى: (فلا تخشوهم واخشون)، يفيد هذا