نفسه. وكيف يخاف على نفسه وهو الذي بلغ عن ربه. (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا لله) (1)، كيف وهو الذي بلغ قوله تعالى: (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) (2)، كيف؟ وهو الذي تلى قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (3)، إن النبي لم يخف على نفسه. وإنما يخاف أن يتهموا الدعوة اتهاما يفسدها ويترتب على ذلك اختلافها واخترامها، وقد علم من ربه أن هذا سيحدث. ولذا فهو صلى الله عليه وسلم يأخذ بأسباب النجاة ليقيم الحجة. فهو يخاف على الدعوة وعلى الذين قدر لهم أن يعيشوا في زمانه، يرى فيه الإنسان الخير والشر فلا يدري أيهما يركب. ولله في عباده شؤون.
قال المفسرون: قوله: " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " تفيد التهديد بظاهرها. وإعلامه صلى الله عليه وسلم وإعلام غيره ما لهذا الحكم من الأهمية. فالكلام في صورة التهديد. لبيان أهمية الحكم. بحيث أن هذا الحكم لو لم يصل إلى الناس. ولم يرع حقه. كان كأن لم يرع حق شئ من أجزاء الدين. والتهديد كما في ظاهر الآية. لا يعني أن القرآن يذكر في حق النبي احتمال أن يبلغ الحكم أو لا يبلغ. حاشا ساحة النبي صلى الله عليه وآله من ذلك. فالله تعالى يقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (4).
فإذا كانت سورة المائدة آخر سور القرآن نزولا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فما هو هذا الحكم النازل؟ إذا كان يختص بالوضوء والصلاة.
فالناس قد توضأوا وصلوا. وإذا كان يختص بصيام رمضان وإيتاء الزكاة. فالناس صاموا من قبل وزكوا. وإذا كان يختص بتعليم الناس مناسك الحج. فالرسول قد فرغ من حجة الوداع وأخذ الناس عنه مناسكهم والجميع تحت مظلة لا إله إلا الله