ومن الشواهد على هذه الحقيقة أيضا " أن معاوية قال في إحدى خطبه:
(إن الله يقول: (وما من شئ إلا وعندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) فلم نلام نحن؟) (1). وأما الحجاج فقد قال بعد أن قتل رجلا " أظهر حب الإمام علي عليه السلام: (اللهم أنت قتلته، ولو شئت لمنعتني منه!) (2). وكما يذكر المؤرخون أن معبد الجهمي قتل بيد الحجاج سنة 80 ه، وغيلان الدمشقي بأمر من الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة 106 ه لقولهما بحرية الإرادة (3).
ويصف السيد محمد حسين فضل الله الحالة الانهزامية المتوارثة أمام الحكام بقوله: (... أما الآخرون، فقد توزعوا بين الذين يعيشون الاستسلام للواقع، لأنهم آمنوا أن عليهم طاعة أولي الأمر كيفما كانوا، وأن مسألة التمرد عليهم ليست واردة في الحساب، بل لا بد من إضفاء صفة القداسة عليهم في الطاعة والخضوع والالتزام، لأن هذا هو (أمر الله!)، وبذلك عاش الجمهور الكبير في أجواء عجيبة من الحيرة والقلق والضياع، بين طبيعة القيم التي يؤمن بها، وبين الإطار الذي فرضه عليه الخطأ في الفهم أو الاجتهاد) (4).
ويقول الدكتور حسن الترابي ما يوافق هذا الرأي: (فإن صورة النظام السياسي الذي ورثناه هي صورة شائهة، لأنها مركبة من عناصر السكون لا الحركة، عناصر الركون إلى الواقع والقعود عن التبديل الاجتماعي نحو التي هي خير، وعناصر الاستسلام إلى تقليد الإمام أو الحاكم أو السلطان) (5).