المقدمة بدأت تظهر في السنوات الأخيرة، وأكثر من أي وقت مضى بشائر ببداية انحسار أمواج التكفير والتعصب المذهبي الأعمى بين أتباع الفرق الإسلامية، بعد أن لازمتهم هذه الآفات دهورا " طويلة من الزمن.
فمناقشة القضايا الخلافية، والتي يشغل الخلاف السني - الشيعي رأس قائمتها، أصبحنا نراها تدور داخل دائرة الإسلام الواحد والملة الواحدة، ويغلب عليها العقلانية، على عكس ذلك النهج التقليدي المصبوغ بالعاطفة والأحكام المسبقة، والمأسور لحوادث التاريخ والتعصب لرموزه ورجاله، والذي جعل من الإسلام مذاهب متعددة، ومن المسلمين مللا " متباغضة ومعادية لبعضها بعضا "، كما لا زلنا نرى من ذلك شذرات هنا وهناك.
وتزداد أهمية البحث والنظر في مثل هذه القضايا عند كل من يرى جدوى الحل الإسلامي لمشاكل الأمة الإسلامية فضلا " عن مشاكل وأزمات غيرها، ويقول بصلاحية دين الإسلام لكل زمان ومكان. فحري بهؤلاء أن يكونوا على بينة تامة ومعرفة يقينية بتعاليم هذا الدين، وبالدرب الموصل بأمان إلى الشريعة السماوية الحقة كما نزلت نقية ومحكمة.
فبالرغم من كل ما تتمتع به رسالة الإسلام من مقومات ربانية، وتعاليم في غاية اليسر والوضوح والشمول كفيلة بإسعاد البشرية جمعاء، وانتشالها من أوحال الجاهلية والتخلف، فإن أصحاب الرسالة أنفسهم أصبحوا بحاجة لغيرهم لانتشالهم، وطروحات غالبية (الإسلاميين) اليوم أصبحت بعيدة عن الواقع، وعاجزة عن تقديم الحلول العملية والملائمة لطبيعة هذا العصر وظروفه المعقدة والسريعة في التغير، وغاية هذه الطروحات التركيز على شكليات وقشور المفاهيم والأحكام على حساب جوهر الشريعة ومقاصدها الحقيقية.