أثبت معاوية)، فاختلط الناس، وعمت الفوضى، وتشاتم الحكمان بأخس الكلمات. ثم انصرف عمرو ومن معه إلى معاوية بالشام، ولحق أبو موسى بمكة، ورجع من كان بصحبته إلى الكوفة (1). ويقول المودودي في تعليقه على مجمل أحداث صفين: (وتصرف سيدنا علي عليه السلام وما سلكه في هذه الحرب يظهر الفرق بين خليفة راشد وملك من الملوك) (2).
الخوارج وتفكك جيش الإمام ظهر أثناء عودة جيش الإمام من موقعة صفين مجموعة من المقاتلين ندموا على التحكيم الذي كانوا قد أرادوه وأصروا عليه، وتبين لهم أن ذلك كان خطأ وذنبا " عظيما " لا يمحوه إلا العودة إلى القتال، فذهبوا إلى الإمام يطلبون منه ذلك ونقض وثيقة التحكيم، ولكنه أجابهم: (قد كتبنا بيننا وبينهم كتابا "، وشرطنا شروطا "، وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا) فانشقوا عن جيش الإمام، واستقروا عند قرية الحرورية قرب الكوفة، واعتبروا أن التحكيم مخالف لكتاب الله، وأن كل من لم يتب عن قبوله يعد كافرا ".
وعندما أصر الإمام على رفض مقولتهم هذه والرجوع إلى القتال عزموا على مقاتلته، وولوا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي، ثم انتقلوا إلى مكان يعرف بجسر النهروان، وجعلوه مركزا " لدعوتهم وتحركهم. وقد عرفت هذه المجموعة باسم الخوارج، وهم الذين تنبأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بظهورهم حيث وصفهم قائلا ": (قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية... يتلون القرآن لا يتجاوز تراقيهم)، وأطلق عليهم لقب الجباه السود لكثرة سجودهم) (3).