وليت عنا وأنت ملاق الله عز وجل فسائلك، فما أنت قائل؟ فقال أبو بكر:
لئن سألني الله لأقولن: استخلفت عليهم خيرهم في نفسي) (1).
ومن المعلوم أن أبا بكر في نزاعه الأخير وقد اشتد به المرض، قال في تبرير عهده بالخلافة لعمر وعدم تركها للتشاور، هو خشيته من الاختلاف بعده، وقالت عائشة إن أباها فعل ذلك لحكمة بالغة وهي للحيلولة دون حصول الفتنة بعده، وهكذا قال كل من أيد فعل أبي بكر، بل وعد فعله هذا من دلائل حيطته وعبقريته.
ولكن ما يثير انتباه الباحثين هو أن حال المسلمين عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت أقرب إلى الاختلاف والفتنة من حالهم عند وفاة أبي بكر، وأي فتنة ستكون أكبر من فقدان صاحب الرسالة، حتى أن عمر قد فقد صوابه عند سماعه خبر الوفاة، وذهب ينكر إمكانية موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومهددا " بقتل كل من يقول بذلك، بالإضافة إلى ما حصل في السقيفة والردة وخطر الفرس والروم، أفلم يفطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما فطن إليه أبو بكر؟
والتساؤل الآخر: لماذا لم يوصف حال أبي بكر بالهجران مع أنه أغمي عليه قبل أن يتم كتابة وصيته باستخلاف عمر، كما رمي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الوصف في مرضه الأخير؟
منع الخليفة تدوين السنة النبوية أو التحدث بها عن عروة، قال: (أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن، فاستفتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرا "، ثم أصبح يوما " وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما " كانوا قبلكم كتبوا فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا ") (2).