وقد اقتفى سيرة الشيخين هذه في منع تدوين الأحاديث وحرقها جمهور المسلمين ولفترة طويلة من الزمن، حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز وأمر بتدوين السنة النبوية.
والحقيقة أن مسألة منع الخليفة عمر من تدوين السنة النبوية أو التحدث بها تعد من أكثر المسائل المستغربة والمثيرة للتساؤلات، ذلك أنه لا يخفى على أحد أهمية تدوين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك العهد القريب من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنها ستكون أكثر صدقا " وسلامة من حالة تدوينها في عصور متأخرة، وقد تناقلتها ألسنة كثيرة على امتداد أجيال عديدة، لا سيما بعد تلك الحروب الطاحنة بين المسلمين أنفسهم واستشراء العداء بينهم وانتشار ظاهرة الوضع في الأحاديث لمدح فريق وذم آخر، أو لوضع الفضائل والمبالغة فيها لفريق، وطمسها والتقليل منها لفريق آخر.
وعن أهمية السنة النبوية هذه يقول العلامة الأميني: (هل خفي على الخليفة أن ظاهر الكتاب لا يغني الأمة عن السنة، وهي لا تفارقه حتى يردا على النبي الحوض، وحاجة الأمة إلى السنة، لا تقل عن حاجتها إلى الكتاب؟ والكتاب كما قال الأوزاعي ومكحول: هو أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب) (1) ذلك أن في السنة ما يوضح متشابه القرآن ويبين مجمله، ويخصص عامه، ويقيد مطلقه، ويوقف أولي الألباب على كنهه، فبحفظها حفظه، وبضياعها ضياع لكثير من أحكامه (2).
اجتهادات الخليفة مقابل نصوص الكتاب والسنة لقد اشتهر الخليفة عمر بكثرة اجتهاده في كثير من الأحكام الثابتة والمؤيدة بنصوص من الكتاب والسنة. وأما إذا كانت تلك النصوص مما