هذا الكتاب وبحثنا هذا على كل حال لم يأت لحل كل هذه المعضلات، وإنما لتبسيط ما أصبح يعد وكأنه من الألغاز المعقدة أمام الباحثين في الخلاف السني - الشيعي، وقد أعياهم النظر في هذه المسألة، وحاروا فيما ينبغي اعتباره خلافا " في أركان العقيدة لا يمكن التهاون فيه أو صرف النظر عنه، أو خلافا " في الفروع وتشعباتها مما يمكن إغفاله وعدم صرف النظر فيه.
فلمواجهة مسألة شائكة مثل هذه، لا سيما وأن خلافات الفريقين قد أخذت مواقعها الدائمة عشوائيا " في عقائدهم وأحكامهم ونفوسهم، فإنه في تقديرنا ينبغي البحث أولا " في جذور الخلاف قبل الانتقال إلى الفروع وتشعباتها الكثيرة. فبتشخيص الخلل في الجذور سيسهل تشخيص خلل الفروع تشعباتها ومعالجتها.
وما نعنيه بجذور الخلاف، فهي تلك المسائل الأساسية التي أدى الخلاف حولها إلى تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة، أو تلك المسائل التي انطلق خلاف الفريقين تاريخيا " منها، ثم أدى تطور ونضوج الأفكار حولها مع الأيام إلى إعطاء هذين الفريقين شكلهما الدائمين.
ولا أجد مسألة اختلف عليها بين أهل السنة والشيعة من الممكن أن تنطبق عليها مثل هذه المواصفات كمسألة خلافة النبي صلى الله عليه وسلم أو إمامة المسلمين بعده، ويقول الشهرستاني صاحب موسوعة (الملل والنخل) في هذا الصدد: (وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان).
وأما الفروع، فهي الآثار التي ترتبت على حصول أزمة الخلافة والإمامة، أو مخلفاتها ذات الخطورة على الإسلام والمسلمين. وتشعبات هذه الفروع