الجاهلية، فيكون الناس جميعا " (لا سيما من غفل وضلل، وليس أناس ذلك الزمان فحسب بل كل من كان سيغفل ويضلل بعدهم وعلى مر العصور) قد تميزت أمامهم معايير الحق من الباطل إلى الأبد، فيحيى من حيي على بينة، ويهلك من هلك على بينة. فثورة الحسين كانت لإنقاذ الإسلام، ولم تكن محصورة الغاية بذلك الزمان. فثورة كهذه إذا نظرنا إليها بهذا البعد، فإن ذكراها تستحق أن يغلب فيها الابتهاج والسرور أكثر من البكاء والعويل!
وهكذا كانت سيرة من تلا الحسين من الأئمة عليه السلام مرهونة بالظروف والمستجدات، فتختلف استراتيجيتهم في العمل والتحرك على ضوئها، فالأدوار تتنوع والهدف واحد.
ولأن غالبية هؤلاء الأئمة قد لاقوا التعذيب والقتل على أيدي الأنظمة القائمة، فإنه وبمجئ آخرهم كان يعني استمرار هذا المسلسل الإجرامي بحقهم، فكانت غيبة الإمام الثاني عشر تجسيدا " لانتصار الإرادة البشرية الرافضة للهداية الإلهية من جهة، ومؤشرا " على تأجيل تنفيذ الخطة الإلهية إلى الوقت الذي يغير فيه الناس من نظراتهم ومواقفهم تجاه إمام زمانهم، فيبحثوا عنه بصدق، ويوالونه بمعرفة وإخلاص، عندئذ يظهره الله سبحانه وتعالى تأييدا " لهم. وبهذا المعنى، يكون الإمام المهدي هو الذي ينتظر الناس وليس العكس!.
صراع الفرق والروايات من الخطأ الفاحش جعل الانتماء للفرقة أو المذهب المعيار الأساس في بحث مسائل الخلافة والإمامة، لأن غالبية الفرق والمذاهب كانت إما من صنع الأنظمة القائمة، أو ممن تأثر بها، فهي بمبادئها وتعاليمها التي تعرف بها هذه الأيام لم تكن موجودة أصلا " عند تولد أزمة الخلافة والإمامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولغاية تطورها واستفحالها في خلافة علي وبداية ملك معاوية.