وهكذا كان، فقد استغل مروان بن الحكم منصبه كمعاون للخليفة ومستشاره الأول في ارتكاب الأعمال الفاسدة، واختلاس الأموال، وتهديد الصحابة الكبار بكلمات لم يكن يتحمل سماعها من لسان الطلقاء، حتى أن نائلة نصحت الخليفة (وهي زوجته) قائلة: (فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة) (1). إلا أن الخليفة عثمان أصغى إلى نصيحتها هذه على ما يبدو بإعطائه لمروان (500 خمسمئة ألف دينار)، وهي قيمة خمس غنائم إفريقيا!
إيذاء خيرة الصحابة لم تكن اعتراضات الناس ونقمتهم على الخليفة لمجرد إسناده أهم مناصب الدولة لأقاربه، والإغداق عليهم من بيت مال المسلمين، وإنما أيضا " للانتهاكات الخطيرة في تعاليم الإسلام وآدابه، والمظالم التي ارتكبت بحق خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما أبي ذر الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وإليك قصة ما حدث لكل واحد منهم:
1 - أبو ذر الغفاري وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر) (2)، ولكنه لاقى النفي إلى الشام لاعتراضه على الخليفة عثمان في مسألة توزيع الأموال وتبذيرها على أقاربه، ثم لاقى النفي مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى البادية في قرية تدعى (الربذة) خارج المدينة عقابا " له من الخليفة لاعتراضه على والي الشام معاوية بن أبي سفيان لاكتنازه الأموال وتبذيرها على حساب بيت مال المسلمين.
ويروي زيد بن وهبة هذه الحادثة قائلا ": (مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر الغفاري (رض) فقلت له: ما أنزلك منزلك هكذا؟ قال: كنت بالشام