تقديم قد يتساءل بعض القراء عن جدوى الخوض في أزمات وفتن عفى عليها الزمان، كأزمة الخلافة والإمامة بمنظورها التاريخي والتي لا تزيد تفرق المسلمين - في تقديرهم - إلا تفرقا " واختلافا "، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يوجه الاهتمام أولا " إلى الأزمات الكثيرة التي تعانيها الأمة في هذا العصر.
ومع ما لهذا الرأي من وزن واعتبار، إلا أن هذا النوع من البحوث لا ينبغي النظر إليه على أنه منافا " لبحوث قضايا العصر ومشكلاته، بل إنه وباستقرائنا لالتباس فهم المسلمين لهذه المسألة في واقعها التشريعي، والتخبط بتطبيقها في واقعها التاريخي نجد أن لذلك الالتباس ولهذا التخبط آثارا " وترسبات عانت الأمة الإسلامية على مر تاريخها ولا زالت من شرورهما، مما يجعل من قضية الخلافة والإمامة أهم قضايا العصور كلها.
فالمسألة ليست مجرد أزمة تاريخية متعلقة بزعامة الناس في عصر من العصور، كالخلاف في الخيار بين شخصي علي وأبي بكر واستحقاقهما للخلافة، ولا هي كانت بسبب ما جرى بشأن ميراث فاطمة ولا قميص عثمان أو خروج عائشة، ولا هي لإثبات أو نفي بغي معاوية أو كفر يزيد. فلو كانت أزمة الخلافة المزمنة هي مجرد الخلاف حول هذه المسائل وأمثالها، لكانت فعلا " مما عفى عليه الزمان وذلك لإمكانية حصر هذه المسائل الخلافية في ظروفها الزمانية، المكانية، وفصلها عما يخص أي زمان أو مكان آخرين، ولكان الأجدر أن تبحث في دائرتها التاريخية ليس إلا.
وأما كون هذه الأزمة هي خلاف حول حقيقة التشريع الإسلامي فيما يخص قيادة المسلمين في كل عصر من العصور قبل أن يكون خلافا " حول