فالخوارج وبالرغم من أنهم ذوو ميول شديدة نحو الجهاد والفداء والتضحية في سبيل عقائدهم وأفكارهم، وكانوا من المتعبدين والمتنسكين يمضون الليل في العبادة، إلا أنهم كانوا جاهلين وحمقى، ونتيجة لجهلهم فإنهم لم يكونوا يفهمون الحقائق ويفسرونها تفسيرا " سيئا "، وأصبحوا من ذوي النظرة الضيقة، وقصيرة المدى، ويفكرون في أفق محمود جدا ". كانوا يرون الإسلام محصورا " في جدران أربعة من أفكارهم الضيقة، ويعتقدون أن جميع من سواهم لا يفهمون البتة، ومن أهل جهنم) (1).
ويؤكد مطهري أن نمط تفكير الخوارج قد تسلل ونفذ إلى داخل المجتمع الإسلامي طوال تاريخه، وعلى الرغم من أن سائر الفرق تعد نفسها مخالفة لهم، بيد أن التفكير السائد عند الخوارج هو سائد أيضا " في أذهان تلك الفرق، ويمكننا أن نرى بين المدارس الفكرية والعقيدية والعلمية الإسلامية، ومن بين النظريات الفقهية تعتقد بانفصال التعقل عن التدين، وهذا الاعتقاد قام على مرتكزات التفكير الخوارجي (2).
وأما فرقة أهل الحديث، فهي فرقة أخرى لنمط التفكير المتميز بالجمود والسطحية، وقد خالف رؤساء هذا التيار أمثال أحمد بن حنبل ومالك بن أنس الاستدلالات العقلية التي تميزت بها فرقة المعتزلة، لأنها بنظرهم تتعارض مع ظواهر الحديث والسنة، وهم يرون أن البحث والتحليل والاستدلال في القضايا الإيمانية حرام. ويعتبر مطهري أن نجاح أهل الحديث والأشاعرة في القضاء على فرقة المعتزلة بمساعدة بعض الخلفاء العباسيين كان ضربة كبيرة للحياة العقلية في العالم الإسلامي (3).