تقديم عند دراسة الواقع التاريخي للخلافة والإمامة، فإنه ينبغي اعتبار كل من جوانبها السياسية وهي المتعلقة بطرق الوصول إلى هذا المنصب والصراعات والتحولات التي رافقت ذلك، وجوانبها الدينية وهي المتعلقة بتشريع الأحكام وحفظها والاجتهاد فيها عن طريق الخلفاء، وذلك لما كان لهم على مر التاريخ الإسلامي من تأثير مباشر ليس فقط في التحليل والتحريم وصك الفتاوي، وإنما في تكون الفرق والمذاهب وانتشارها من جهة، وتحجيم بعضها والقضاء عليها من جهة أخرى.
ولا غرابة في ذلك باعتبار المكانة السامية التي أرادها الله (جل وعلا) لمنصب خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بالإضافة إلى ما اجتمعت عليه الفرق والمذاهب الإسلامية في عدم الفصل بين الدين والدولة.
وفي الوقت الذي يفرض فيه المنطق الإسلامي جعل الدولة وسياساتها أداة لخدمة الدين الإلهي ووسيلة لتحقيق غاياته، فإن حكام المسلمين على مر التاريخ لم يلتزموا بالضرورة بهذا المبدأ، إن لم يكن قد عمل معظمهم ضده!
وعلى كل حال، فإننا سنحاول دراسة هذا الواقع التاريخي بإلقاء الضوء على تلك الجوانب في ثمانية فصول، كل فصل خصص لاستعراض أهم الأحداث التاريخية التي حدثت في عهد كل من الخلفاء الثمانية الأوائل في أهم مرحلة من مراحل تاريخنا الإسلامي، وهي مرحلة صدر الإسلام والتي رسمت فيها الخطوط العريضة والملامح الأساسية لصورة دولة الخلافة، والتي بقيت محافظة عليها لحين سقوطها في مطلع القرن الحالي.