ومن الواضح أن الحالة الأولى قد سادت في عالم الإسلام السني، والثانية قد لوحظ لها وجود في عالم الإسلام الشيعي.
ويقول الإمام الخميني مستنكرا " هذا الجهل بقوله حول ضرورة قيام الحكومة الإسلامية في هذا الزمان بأنها: (فكرة علمية واضحة، قد لا تحتاج إلى برهان، بمعنى أن من عرف الإسلام أحكاما " وعقائد يرى بداهتها، ولكن وضع المجتمع الإسلامي، ووضع مجاميعنا العلمية على وجه الخصوص، يضع هذا الموضوع بعيدا " عن الأذهان، حتى لقد عاد اليوم بحاجة إلى البرهان) (1). وكان كلام الإمام هذا رحمه الله قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران بسنوات عديدة.
وأما جذور ذلك الفهم المتخلف، فهو راجع إلى التفسير الخاطئ لحقيقة غيبة الإمام المنتظر، والجهل بالظروف الموضوعية التي تستلزم ظهوره، علاوة على الاستناد على بعض المرويات المشكوك في صحتها والتي توحي أن كل راية ترفع في زمن غيبة الإمام هي راية ضلال، بمعنى أن إقامة الحكومة الإسلامية هو حق مخصوص بالأئمة الاثني عشر، وليس لأحد غيرهم تجب الولاية والطاعة.
وقد وصف السيد فضل الله فهم هؤلاء بالجمود، وأنه يدفع أصحابه إلى السلبية أمام مشكلات الواقع، لأنهم بموقفهم هذا أصبحوا القوة التي تحمل الآخرين إلى الحكم دون الاعتقاد بشرعيتهم، وبذلك استطاع كل المنحرفين والطامعين أن يصلوا إلى المركز الكبير في قيادة المسلمين لينحرفوا بهم إلى واقع مظلم لا يحمل لهم إلا المزيد من الجهل والتخلف، والبعد عن قيم الإسلام الحضارية الباحثة عن الحرية والعدالة والمساواة (2).