في الوقت نفسه، ليس من المقبول أن يختار الناس قارئ العزاء في هذه الذكرى على أساس قدرته فقط على إبكاء الحضور على حساب الخطيب القادر على إبراز الدروس والعبر النافعة من هذه الحادثة. ففضلا " عن أن الإحياء بهذه الصورة هو حصر للقضية الحسينية في بعدها الشخصي العاطفي، فإنه أيضا " يعطي صورة سلبية عن الدين لأنه يعبر عن مظهر من مظاهر الجهل والتخلف.
وأما الدروس والعبر التي يؤكد العلماء على ضرورة الاستفادة منها من هذه القضية، فهي التضحية في سبيل الرسالة والمبدأ، والعمل في سبيل الله دون النظر إلى الأخطار الدافعة إلى الخوف كمبرر للتقاعس والتوقف عن خدمة الدين، فعاشوراء ليست للدموع والبكاء، وإنما هي للإسلام والرسالة.
4 - الجهل والتخلف في فهم القضايا الأخلاقية هناك العديد من المفاهيم الأخلاقية التي أخذها المسلمون على غير حقيقتها كمفاهيم الزهد، والصبر، والتوبة، والتوكل، وغيرها، ونأخذ الزهد كمثال:
فالإسلام في الحقيقة قد حث على الزهد ورغب فيه، والزهد يطلق على ترك الإنسان لشئ يرغب فيه رغبة طبيعية، أي أن هذه الصفة لا تطلق على المريض الراغب عن تناول الطعام بسبب فقدانه شهية الأكل.
وهذا المفهوم السامي كغيره من المفاهيم العديدة التي تشوهت صورتها في أذهان المسلمين، حتى أصبح الزهد مما ينفر منه، لأنه يعني عندهم ترك الإنسان الدنيا ولذاتها من أجل التفرغ للعبادة. وهذا الفهم المنحرف قد تسرب إلى فكر المسلمين من المسيحية التي تفرق بين العمل الدنيوي والأخروي، حيث تطلق هذه الديانة على كل ممارسة عملية للإنسان مع الطبيعة والحياة عملا " دنيويا "، بينما أطلقت على الطقوس المعزولة عن كل ممارسة حياتية اسم العمل الأخروي. في حين أن الإسلام يعطي أي عمل أو نشاط للإنسان صفة الأخروية ويعده عبادة إذا كان مؤدى بنية التوجه والقرب من الله.