رشيد، ومنذ وضعوا أقدامهم في التل الكبير، ومن أجل هذا اتجهت الجهود إلى شئ آخر غير الاستعمار والاحتلال والانتداب بالنسبة لفلسطين، ذلك هو استعمار الإبادة أو تحويل فلسطين من بلد عربي إلى غربي على نحو ما تم في استراليا ونيوزيلندا وأمريكا، وعلى نحو ما يجري الآن في جنوبي إفريقية، على أن يتخذ الاستعمار والانتداب والاحتلال وسيلة لهذه الغاية.
وبدأ خبراء السياسة الغربيون ومعهم خبراء علم النفس وعلم الاجتماع يبحثون عن الوسيلة لذلك، وسرعان ما اهتدى هؤلاء الخبراء إلى استغلال الدين لتحقيق هذا الغرض، ولعل المسيحية خطرت على بالهم، ففي فلسطين ولد المسيح وتربى ودعا قومه، وبيت المقدس مزار المسيحيين منذ ذلك العهد، ولكن هذه الفكرة لم تكن طويلة العمر، إذ رئى أن الأخذ بها سيكون عودة إلى الحروب الصليبية، وسيحمل في طياته أسباب الفشل.
واتجهت الأنظار إلى اليهود، وفلسطين بالنسبة لهم مكان مقدس أيضا، ثم هو يعانون ألوانا من الاضطهادات والتعذيب والتشرد، وهم باحثون عن المال، والشرق الأوسط فيه غنى، وفيه تخلف صناعي مما يهيئ سوقا رائجة لأية دولة صناعية تجارية تقوم به، ولليهود بفلسطين الصلة التاريخية التي ألممنا بها، والتي انقضت منذ عشرين أو خمسة وعشرين قرنا، ولكن الخبراء اتخذوهم وسيلتهم على كل حال، على أن يغلقوا اتجاههم باسم الإنسانية والرحمة لهؤلاء المعذبين المشردين.
ويصرح ألفرد مونت في كتابه (الجار) بقوله:
إنني أتطلع بلهفة إلى ذلك اليوم الذي تصبح فيه فلسطين وشرق الأردن وحدة ضمن الإمبراطورية البريطانية، وتشغل مركزا مهما في جسم تلك الإمبراطورية، وتدافع عن هذه الوحدة عدة ملايين من اليهود الذين تربطنا بهم رابطة الود والاخلاص والمدنية.