ونتج من طبيعة الاختيار عقيدة أخرى عند اليهود، هي عقيدة المسيح المنتظر، فإن اليهود وجدوا أنفسهم لا خيرة البشر كما زعموا، ولا صفوة الخلق كما أملوا، بل لم يجدوا أنفسهم في نفس المكانة التي ينعم بها الآخرون، وإنما كانوا هدفا للبلايا والنكبات، ومن هنا اتجه مفكروهم في عصورهم المتأخرة إلى مخلص ومنقذ ينتشلهم من هذه الوهدة، ويضعهم في المكانة التي أرادوها، وأطلقوا على هذا المخلص (المسيح المنتظر) ووصفوه بأنه رسول السماء، والقائد الذي سينال الشعب المختار بهديه وإرشاده ما يستحقه من سيادة وسؤدد (1). ويتضح من الوصف الذي أورده Guignebert أن المسيح المنتظر ليس انسانا عاديا بل هو إنسان سماوي (Heavenly Person) وكائن معجز خلقه الله قبل الدهور، ويبقى في السماء حتى تحين ساعة إرساله، وعندما يرسله الله يمنحه قوته، وهو يحمل لقب (ابن الإنسان) أي إنه سيظهر في صورة الإنسان (2) وإن كانت طبيعته تجمع بين الله وبين الإنسان (3).
ونعلق على هذا الوصف بأن نقول إن المسيحيين اقتبسوه كله وأسندوه إلى عيسى بن مريم (4).
وكلمة المسيح معناه الممسوح (بزيت البركة) لأنهم كانوا يمسحون به الملوك والأنبياء والكهنة والبطارقة، وكانوا في مبدأ الأمر يرون المسيح ملكا فاتحا مظفرا من نسل داود، يسمونه ابن الله، ويعتقدون أنه سيجئ ليعيد مجد إسرائيل، ويجمع أشتات اليهود بفلسطين، ويجعل أحكام التوراة نافذة المفعول، ولكنهم أحيانا أطلقوا كلمة المسيح على من يعاقب