ويذكر الباحثون أن تقديم القرابين كان مرحلة من مراحل الرقي عند اليهود، فقد كانوا يلجئون للسحرة والعرافين، ولكن الكهنة قاوموا هذا الاتجاه فيهم، ودعوا الناس ألا يعتمدوا إلا على قوة سحرية واحدة، هي قوة القربان والصلوات والتبرعات، وكان المعتقد أن القرابين تكفر ذنوب الناس وخطاياهم إذ باركتها يد الكاهن (1).
والتطور في نوع القرابين الذي ذكرناه آنفا كان نتيجة للتطور في الفكر اليهودي عن الإله، فقد كان يهوه في بادئ الأمر إلها يحب الدم. وكانت اليهودية دين فزع وذعر وخوف، ولم يكن يطفأ حقد الإله إلا بالدم المسفوك، فلما ترقت فكرة اليهود عن الإله، وقالوا بإله بر وصالح، أصبح هذا يكتفي بالختان بدل الإنسان، كما يكتفي بالحيوان والثمار، وكان بعض بني إسرائيل يثورون أحيانا على الطقوس والقرابين والعبادات الشكلية بالمعبد، ولكن أكثرهم على كل حال، ظلوا خاضعين لها أطول فترات تاريخهم، ومما ساعد على تقليل الثقة بالمعابد قبل بناء الهيكل تبادل التكذيب والتحقير بين المعبد والمعبد في المنافسات الشديدة، فكانت هذه كلها مؤثرات تحاول أن تفك عقال أذهان الناس، وتفتح أمامهم آفاقا أكثر سعة، وأشد حرية من النظرة الدينية، وكانت الكنوز الذهبية الضخمة تجذب الناس في عهد من العهود، وتفعل فعلها السحري في نفوس السذج، ثم أصبحت هذه الكنوز نفسها عاملا من عوامل التراخي في العبادة، فما كان الجائع يستطيع أن يمسك بطنه ويخضع لثراء الأثرياء، بعد أن تفتح ذهنه بعض الشئ.
ومما أضعف نظام الكهنة كذلك، قيام المركزية الدينية ببناء الهيكل ووضع التابوت به، فأصبح هناك معبد واحد ومجموعة واحدة من الكهنة، ونظر بعض الكهنة فوجدوا أنفسهم قد فقدوا كل سلطان لهم