وأفضوا إليه، فألفوه في حائط له عليه تبان وهو يتركل على مسحاته ويقرأ:
[أيحسب الإنسان أن يترك سدى] (1) إلى آخر السورة، ودموعه تهمى على خديه، فأجهش الناس لبكائه فبكوا ثم سكت وسكتوا فسأله عمر عن تلك الواقعة فأصدر جوابها فقال عمر: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك، فقال: يا أبا حفص خفض عليك من هنا وهنا: [إن يوم الفصل كان ميقاتا] (2) فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض وخرج كأنما ينظر في رماد.
وهذا الخبر كما ترى مصرح بأن أمير المؤمنين كان ينسب القوم في تقدمهم عليه إلى الظلم، ويعدهم بالمطالبة يوم الفصل، وحسبنا ذلك فيما ندعي، وإنكار ابن أبي الحديد للخبر لأن عليا (عليه السلام) كنى عمر ولم يسمه بالإمرة، ولأن عمر مضى إلى علي (عليه السلام) والعادة أن يرسل إليه إنكار فاسد لأن العادة قد تختلف وينبغي أن يجعل هذا من جملة تواضع عمر الذي كانوا يصفونه به، والخليفة قد يكنى خصوصا في مقام الحجة على أن ما ادعاه من أن عليا (عليه السلام) ما كنى عمر في خلافته أبدا وإنما يدعوه بإمرة المؤمنين دعوى ما أتى عليها بشهود وأحالها على السير والتوايخ، ولم يذكر حديثا على ما ادعى، ولا ذكر في كتابه على كثرة ما ذكره من الأخبار موضعا دعا فيه علي (عليه السلام) عمر بإمرة المؤمنين قط، وذلك أدحض لحجته، مع أنه روى أن الزبير قد أدمى أنف آذن عمر لما حجبه عنه فلما لامه عمر جعل يمطمط في كلامه يحكي كلام عمر أتفعل هكذا يا زبير! وقال مغضبا: أتحتجب يا بن الخطاب (3) فلم يكنه فضلا عن أن يقول أمير المؤمنين