المضض والرمض وذلك خارج عن قانون الرضا ولا شك عندنا أنه (عليه السلام) أذعن بطاعتهم، وانقاد لأمرهم فيما يتعلق بأمور الإمارة حقنا لدمه ودماء أهل بيته حيث لم يجد معينا يعينه ولا ناصرا ينصره، فلو امتنع بعد ذلك عن بيعتهم لا هريق دمه كما فعل بابنه الحسين حذو النعل بالنعل فكان تسليمه لهم وكفه عنهم كرها لا اختيارا، وليس النزاع في أنه سلم وكف ظاهرا عن طلب الأمر، وإنما النزاع في أنه رضي طوعا لا جبرا فقد سلم الحسن لمعاوية وكف الحسين عن منازعته بعد الحسن والمقطوع به أنهما ليسا راضيين بخلافته وأمثال هذا كثير، ومما يؤكد أن القوم غير مصيبين عنده امتناعه يوم الشورى على عبد الرحمن بن عوف عن المبايعة على سيرة الشيخين، وقوله: بل على كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي هذا إشارة بينة إلى أن في سيرتهما ما يخالف الكتاب والسنة وذلك السر في امتناعه لا ما فهمه ابن أبي الحديد، وفي الكلام دلالة على أن عبد الرحمن بن عوف ومن معه لا يريدون من يسير فيهم بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، بل غرضهم فيمن يعمل فيهم بالرأي ويؤثرهم بالمال، ويستشيرهم في الأحكام، وصريح هذا المعنى عدول القوم عن نصوص الكتاب والسنة إلى ما يشتهون، وأوضح من ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة يحرض فيها أصحابه على قتال معاوية وأصحابه: (سيروا إلى بقية الأحزاب، سيروا إلى نبذة الكتاب، سيروا إلى قتال من يقاتل على دم حمال الخطايا) (1)، والمراد ببقية الأحزاب معاوية ومن معه من قريش وبحمال الخطايا عثمان لا معاوية كما قال ابن أبي الحديد لأن معاوية بزعمه يقاتل على دمه، وليس يقاتل أحد في صفين على دم معاوية لأنه حي بين ظهرانيهم، وهو الذي أغواهم وساقهم بخدعه إلى الضلال وقادهم
(٤٩٥)