ومع ذلك كله لا تجد فيه تناقضا واختلافا، أو شيئا متباعدا عند العقل والعقلاء، بل ينعطف آخره على أوله، وترجع تفاصيله وفروعه إلى أصوله و عروقه، إن مثل هذا الكتاب، يقضي الشعور الحي في حقه أن المتكلم به ليس ممن يحكم فيه مرور الأيام ويتأثر بالظروف والأحوال، فلا يكون إلا كلاما إلهيا ووحيا سماويا.
ثم إن كلمة (كثيرا) وصف توضيحي لا احترازي، والمعنى: لو كان من غير الله لوجدوا فيه اختلافا، وكان ذلك الاختلاف كثيرا على حد الاختلاف الكثير الذي يوجد في كل ما هو من عند غير الله، ولا تهدف الآية إلى أن المرتفع عن القرآن هو الاختلاف الكثير دون اليسير. (1) 2. الإخبار عن الغيب إن في القرآن إخبارا عن شؤون البشر في مستقبل أدواره وأطواره، وإخبارا بملاحم وفتن وأحداث ستقع في مستقبل الزمن، وهذا الإخبار إن دل على شئ فإنما يدل على كون القرآن كتابا سماويا أوحاه سبحانه إلى أحد سفرائه الذين ارتضاهم من البشر، لأنه أخبر عن حوادث كان التكهن والفراسة يقتضيان خلافها، مع أنه صدق في جميع أخباره، ولا يمكن حملها على ما يحدث بالمصادفة، أو على كونها على غرار أخبار الكهنة والعرافين والمنجمين، فإن دأبهم هو التعبير عن أحداث المستقبل برموز وكنايات حتى لا يظهر كذبهم عند التخلف، وهذا بخلاف أخبار القرآن فإنه ينطق عن الأحداث بحماس ومنطق قاطع، وإليك الأمثلة: