وهناك صورة خامسة نختم بها حديثنا في هذه المقدمة وهي قول الإمامية في (البداء) ومعناه الظاهر فعل الشئ ثم محوه، وقد قال به الإمامية في حق الله تعالى حتى أثر عنهم: ما عبد الله بشئ مثل القول بالبداء.
ولما كان البداء من صفات المخلوقين لأن فعل الشئ ثم محوه يدل على التفكير الطارئ، وعلى التصويب بعد الخطأ، وعلى العلم بعد الجهل، فإن كثيرا من المفكرين سفهوا عقول الشيعة في نسبة البداء إلى الله سبحانه والشيعة الإمامية براء مما فهمه الناس عن البداء، إذ المتفق عليه عندهم وعند علماء السنة أن علم الله قديم منزه عن التغيير والتبديل والتفكير الذي هو من صفات المخلوقات، أما الذي يطرأ عليه التغيير والمحو بعد الإثبات فهو ما في اللوح المحفوظ بدليل قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ولنضرب مثالا لذلك يبين معنى البداء عند الإمامية فلان من الناس كتب عليه الشقاء في مستهل حياته، وفي سن الأربعين تاب إلى الله فكتب في اللوح المحفوظ من السعداء فالبداء هنا محو اسمه من باب الأشقياء وكتابته في باب السعداء.
أما ما في علم الله فيشمل جميع تاريخ هذه المسألة من إثبات ومحو بعد التوبة، أي أنه سبق في علم الله أن هذا الشخص سيكون شقيا ثم يصير سعيدا في وقت كذا حين يلهمه التوبة.
إن البداء الذي يقول به الإمامية هو قضية الحكم على ظاهرة الفعل الإلهي في مخلوقاته بما تتطلبه حكمته، فهو قول بالظاهر المترائي لنا، وإذن فوجه الإشكال في الذين خطئوا الشيعة في قولهم بالبداء إنما جاء