الظاهر إلا أحد أمرين: إما أن يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت:
تمنى كتاب الله أول ليله * وآخره لاقى حمام المقادر أو أريد بالتمني تمني القلب.
فإن أراد التلاوة، كان المراد من أرسلنا قبلك من الرسل، كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا، كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم فأضاف ذلك إلى الشيطان، لأنه يقع بوسوسته وغروره. ثم بين أن الله تعالى يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه، ويحسم مادة الشبهة به.
وإنما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له (صلى الله عليه وآله) لما كذب المشركون عليه وأضافوا إلى تلاوته مدح آلهتهم ما لم يكن فيها.
وإن كان المراد تمني القلب، فالوجه في الآية أن الشيطان متى تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس إليه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه إليها، وأن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك استماع غروره.
وأما الأحاديث المروية في هذا الباب، فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل (عليهم السلام) عنه. هذا لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره.
وكيف يجيز ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله) من يسمع الله تعالى يقول: كذلك لنثبت به فؤادك يعني القرآن، وقوله تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، وقوله تعالى: سنقرئك فلا تنسى!
على أن من يجيز السهو على الأنبياء (عليهم السلام) يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي (صلى الله عليه وآله) لأن الله تعالى قد جنب نبيه من الأمور الخارجة عن باب المعاصي كالغلظة والفظاظة وقول الشعر، وغير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالى.