هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، فإنه لا يذكر أحدا ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر، فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال: وإنهم من الغرانيق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى، وذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان كبيرا فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السجدة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة!
فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه، أقبلوا سراعا! فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أمسى أتاه جبريل (عليه السلام) فشكا إليه فأمره فقرأ له، فلما بلغها تبرأ منها جبريل وقال: معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك!! فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه وقال: أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله!! فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم، ليجعل ما يلقي فتنة للذين في قلوبهم مرض