الحبشة.. ومن الواضح أن الصراع في تلك المرحلة كان يتفاقم بين الإسلام والمشركين، وكان أهم ما يتسلح به المشركون ويطرحونه سببا لمقاومتهم الإسلام هو (أن محمدا قد سب آلهتنا وسفه أحلامنا).
وقد كان موقف النبي (صلى الله عليه وآله) من آلهتهم موقفا صريحا قويا لا مساومة فيه ولا مهادنة..
وقد اتضح ذلك من السور الأولى للقرآن، وآياتها القاطعة في مسألة الأصنام.. ولم تكن سورة النجم إلا استمرارا لذلك الخط الرباني الصريح القوي، بل هي الحسم الإلهي النهائي في المسألة، ووضع النقاط على الحروف بتسمية أصنام قريش المفضلة (اللات والعزى ومناة) بأسمائها، وإسقاطها إلى الأبد!
ومن الطبيعي أن تكون هذه الآيات شديدة جدا على قريش، وأن تثير كبرياءها وعواطفها لأصنامها، وأن تقوم بردة فعل بأشكال متعددة. وقصة الغرانيق ما هي إلا واحدة من ردات الفعل القرشية..!
لكن متى اخترعت ومن اخترعها؟!
يغلب على الظن ما ذكره الشريف المرتضى من أن المشركين عبدة هذه الأصنام الثلاثة لما سمعوا ذمها في آيات السورة حرف بعضهم الآيات، ووضع بعد أسماء الأصنام الثلاثة عبارة (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) فأعجب ذلك القرشيين، وتمنوا لو يضاف هذا المديح لآلهتهم في السورة!
ولكن كيف يمكن ذلك؟ وكيف ينسجم مع السياق، والسياق كله حملة شديدة على فكر الأصنام وأهلها؟!!
هكذا ولدت قصة الغرانيق على ألسنة القرشيين، ولكنها كانت هذيانا ولغوا في القرآن من قريش المشركة لا أكثر!
ولكن الجريمة الكبرى عندما حولت قريش المنافقة هذا اللغو في القرآن إلى آيات الغرانيق واتهمت بها النبي بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) لإثبات أنه لم يكن معصوما عصمة مطلقة لتكون كل تصرفاته وأقواله حجة، بل كان يخطئ حتى في تبليغ الوحي! وفي