وبما أن أغلب روايات هذه القصة تشترك في ذكر دور عمر ومناقشته للنبي (صلى الله عليه وآله) ونصحه إياه بضرر إعلان ذلك للناس، يترجح في الذهن احتمال أن يكون أصل القصة أن الخليفة عمر هو الذي بشر الناس كما نصت الروايات المتقدمة، وقد يكون اقترح على النبي (صلى الله عليه وآله) أن يأمره بذلك فلم يقبل، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) ما ضاع لا في غزوتين ولا في غزوة، ولا خرج مذعورا في الليل من كلام جبرئيل، ولا ضاع في المدينة، ولا اختبأ في بستان، ولا أعطى نعليه لأبي هريرة علامة للناس بأنه مبعوث من النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا ضرب عمر أبا هريرة حتى خر لإسته! فعندما تتناقض الروايات ولا يمكن الجمع بينها، أو تكون مخالفة للقرآن وللسنة القطعية المتفق عليها.. فلا مجال أمام الباحث إلا ترجيح هذا الاحتمال الأخير.
ثامنا ثبت عند الجميع أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أرسل عليا (عليه السلام) إلى مكة بأمر من الله تعالى لإبلاغ سورة براءة، وأمره أن ينادي في الناس بعدة أمور، منها (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة)!
وقد روى ذلك أحمد ج 1 ص 47 و ص 79 والنسائي ج 5 ص 234 والدارمي ج 2 ص 230 وغيرهم، وفي أحمد ج 5 ص 438: نفس مسلمة).
وروايات هذا النداء ثابتة عند الطرفين، وليست مهزوزة مثل نداء النعلين المزعوم!
ثم إن هذا النداء كان بعد فتح مكة، فلا بد للقائل بصحة روايات نداء النعلين أن يقول إنه ناسخ لهذا النداء، وأن يثبت صحة قصته وأنها كانت بعد نداء مكة.. ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد!
أما الأحاديث الأخرى التي استدلوا بها على هذا المذهب، فليست أحسن حالا من حديث (ضياع النبي (صلى الله عليه وآله) واختفائه واختبائه ونداء النعلين) في تضاربها وتعارضها مع غيرها.. ويكفي لردها الروايات التي تقدمت في الرأي الأول.